فصل: ثم دخلت سنة ست وعشرين ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ست وعشرين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ ما ذكر ابن حبيب الهاشمي في ليلة الاثنين النصف من جمادى الآخرة مطر أهل تيماء مطرًا وبردًا كالبيض فقتل بها ثلثمائة وسبعين إنسانًا وهدم دورًا وسمع في ذلك صوت يقول‏:‏ ارحم عبادك اعف عن عبادك ونظروا إلى أثر قدم طولها ذراع بلا أصابع وعرضها شبرين من الخطوة إلى الخطوة خمسة أذرع أو ست فاتبعوا الصوت فجعلوا يسمعون صوتًا ولا يرون شخصًا ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود بن عيسى ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الأفشين الأمير الكبير واسمه حيدر بن ساووس وقد سبقت أخباره وأنه اتهم بدين المجوسية واتهم بأنه أراد قتل المعتصم وأن ينقل الملك إلى الأعاجم وأن المعتصم غضب عليه وحبسه وقيده فبقي مدة ثم مات في هذه السنة ‏.‏

وقيل‏:‏ بل قتله وصلبه بإزاء بابك وذلك في شوال هذه السنة ‏.‏

وقال أبو بكر الصولي‏:‏ مات في الحبس وصلب بعد ذلك بباب العامة في شعبان وأحضرت أصنام كانت حملت إليه من أشروسنة فضربت بالنار وطرح الأفشين فيها فأحرق وذري وذلك في شعبان عبد الجبار بن سعيد بن سليمان بن نوفل بن ماحق ولي إمرة المدينة مرة بعد مرة وولي قضاءها للمأمون وكان أجمل قرشي وأحسنه وجهًا وأجوده لسانًا وتوفي وهو شيخ قريش في هذه السنة وكان قد بلغ ثلاثًا وثمانين سنة وكان آخر ولد سعيد لأنهم انقرضوا ‏.‏

علي بن الحكم أبو الحسن المروزي ‏.‏

سمع أبا عوانة وابن المبارك والمبارك بن فضالة وغيرهم روى عنه أحمد بن حنبل والبخاري في الصحيح‏.‏

وتوفي في هذه السنة عنان ‏.‏

مولدة من مولدات اليمامة وبها نشأت وتأدبت واشتراها النطاف ورباها وكانت صفراء جميلة الوجه شكلة سريعة البديهة في الشعر تجاوب فحول الشعراء جاءها رجل فقال وما زال يشكو الحب حتى حسبته تنفس من أحشائه أو تكلما فقالت‏:‏ ويبكي فأبكي رحمة لبكائه إذا ما بكى دمعًا بكيت له دما وكان الرشيد قد طلبها من مولاها فقال‏:‏ لا أبيعها بأقل من مائة ألف فبعث الرشيد فأحضرها ثم ردها فتصدق الناطفي لما رجعت بثلاثين ألف درهم فلما مات مولاها أخرجت إلى السوق فبلغ بها مسرور مائتي ألف درهم فزاد رجل واشتراها وأخرجها إلى خراسان فماتت هناك ‏.‏

غسان بن الربيع بن منصور أبو محمد الغساني الأزدي ‏.‏

من أهل الموصل سمع حماد بن سلمة روى عنه أبو يعلى الموصلي وأحمد بن حنبل ويحيى بن إبراهيم الحربي وكان نبيلًا فاضلًا ورعًا ‏.‏

توفي بالموصل في هذه السنة ‏.‏

يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن أبو زكريا التميمي المنقري من ولد قيس بن عاصم المنقري ‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ويقال‏:‏ هو مولى بني منقر من بني سعد ‏.‏

سمع من مالك والليث بن سعد وابن لهيعة وغيرهم وكان عالمًا خيرًا ورعًا وكان ابن راهويه يقول‏:‏ ما رأيت مثل يحيى بن يحيى وما رأى مثل نفسه ‏.‏

أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ أنبأنا أبو القاسم يوسف بن الحسن التفكري قال‏:‏ سمعت أبا علي الحسن بن علي بن بندار الريحاني يقول‏:‏ كان يحيى بن يحيى يحضر مجلس مالك فانكسر قلمه فناوله المأمون قلمًا من ذهب - أو مقلمة من ذهب - فلم يقبل فقال له المأمون‏:‏ ما اسمك قال‏:‏ يحيى بن يحيى النيسابوري قال‏:‏ تعرفني قال‏:‏ نعم أنت المأمون ابن أمير المؤمنين قال‏:‏ فكتب المأمون على ظهر جزوة‏:‏ ناولت يحيى بن يحيى النيسابوري قلمًا في مجلس مالك فلم يقبله فلما أفضت الخلافة إليه بعث إلى عامله بنيسابور يأمره أن يولي يحيى بن يحيى القضاء فبعث إليه يستدعيه فقال بعض الناس له‏:‏ تمتنع من الحضور وليته أذن للرسول فأنفذ إليه كتاب المأمون فقرئ عليه فامتنع من القضاء فرد إليه ثانيًا وقال‏:‏ إن أمير المؤمنين يأمرك بشيء وأنت من رعيته وتأبى عليه فقال‏:‏ قل لأمير المؤمنين ناولتني قلمًا وأنا شاب فلم أقبله أفتجبرني الآن على القضاء وأنا شيخ ‏.‏

فرفع الخبر إلى المأمون فقال‏:‏ قد علمت امتناعه ولكن ول القضاء رجلًا يختاره فبعث إليه العامل في ذلك فاختار رجلًا فولي القضاء ودخل على يحيى وعليه سواد فضم يحيى فرشًا كان جالسًا عليه كراهية أن يجمعه وإياه فقال‏:‏ أيها الشيخ ألم تخترني أخبرنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قال‏:‏ سمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان يقول‏:‏ سمعت فاطمة بنت إبراهيم بن عبد الله السعدية تقول‏:‏ سمعت فاطمة امرأة يحيى بن يحيى تقول‏:‏ قام يحيى مرة لورده فلما فرغ منه قعد يقرأ إذ سمعت جلبة فقال لي‏:‏ تعرفوا ما هذه الجلبة فنظرنا فإذا العسكر والمشاعل وهم يقولون‏:‏ الأمير عبد الله بن طاهر يزور أبا زكريا ‏.‏

فعرفناه الخبر وكان ابن طاهر يشتهي أن يراه فما كان بأسرع من أن استأذنوا عليه ففتحنا فدخل الأمير عبد الله بن طاهر وحده فلما قرب من أبي زكريا وسلم قام إليه والمصحف في يده ثم رجع إلى قراءته حتى ختم السورة التي كان افتتحها ثم وضع المصحف واعتذر إلى الأمير وقال‏:‏ لم أشتغل عنه تهاونًا بحقه إنما كنت افتتحت سورة فختمتها فقعد عبد الله ساعة يحدثه ثم قال له‏:‏ ارفع إليا حوائجك فقال‏:‏ قد والله وقعت لي حاجة في الوقت فقال‏:‏ مقضية ما كانت ‏.‏

فقال‏:‏ قد كنت أسمع محاسن وجه الأمير ولا أعاينها إلا ساعتي هذه وحاجتي إليك أن لا ترتكب ما يحرق هذه المحاسن بالنار ‏.‏

فأخذ الأمير عبد الله بن طاهر في البكاء حتى قام وهو يبكي ‏.‏

توفي يحيى بن يحيى في صفر هذه السنة وهو ابن أربع وثمانين سنة ‏.‏

أنبأنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أنبأنا أبو بكر البيهقي أنبأنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري قال‏:‏ سمعت أبا الحسن محمد بن الحسن السراج الزاهد - وكان شديد العبادة - قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه قد أقبل إلى أن وقف على قبر يحيى بن يحيى وتقدم وصف خلفه جماعة من أصحابه فصلى عليه ثم التفت إلى أصحابه فقال‏:‏ هذا القبر لأمان لأهل هذه المدينة ‏.‏

وقد روى عن يحيى بن يحيى خمس طبقات من كبار العلماء ‏.‏

فالطبقة الأولى‏:‏ إسحاق بن راهويه ومحمد بن رافع وعلي بن غنام ومحمد بن أسلم ومحمد بن يحيى الذهلي ونظراؤهم ‏.‏

والطبقة الثانية‏:‏ أحمد بن الأزهر العبدي وإبراهيم بن عبد الله السعدي ويحيى بن محمد الذهلي ونظراؤهم ‏.‏

والطبقة الثالثة‏:‏ مسلم بن الحجاج وسليمان بن داود وإسماعيل بن قتيبة السلمي ونظراؤهم ‏.‏

والطبقة الرابعة‏:‏ زكريا بن داود الخفاف وعصمة بن إبراهيم الزاهد وإبراهيم بن علي الذهلي ونظراؤهم ‏.‏

والطبقة الخامسة‏:‏ إسماعيل بن الحجاج الميداني ويحيى بن عبد الله بن سليمان والحسن بن معاذ ونظراؤهم ‏.‏

وقد روى عنه أئمة البلدان منهم‏:‏ إبراهيم بن إسماعيل العنبري إمام عصره بطرسوس ومحمد بن مشكان إمام عصره بسرخس وعبد المجيد بن إبراهيم القاضي إمام عصره ببوشنج وعثمان بن سعيد الدرامي إمام عصره بهراة ومحمد بن الفضل البلخي إمام عصره ببلخ ومحمد بن نصر المروروذي إمام عصره بسمرقند ومحمد بن إسماعيل البخاري إمام عصره ببخارى ومحمد بن عبد الله بن أبي عرابة إمام عصره بالشاش ومحمد بن إسحاق الشافعي إمام عصره بأبيورد وحميد بن زنجويه إمام عصره بنسا ‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ خروج أبي حرب المبرقع اليماني بفلسطين وخلافه للسلطان ‏.‏

وسبب ذلك‏:‏ أن بعض الجند أراد النزول في داره وهو غائب عنها وفيها إما زوجته وإما أخته فمانعته فضربها فلما رجع أبو حرب بكت وشكت ما فعل بها وأرته أثر الضرب فأخذ سيفه ومشى إلى الجندي وهو غار فضربه به حتى قتله ثم هرب وألبس وجهه برقعًا كي لا يعرف فصار الرجل إلى جبل من جبال الأردن فطلبه السلطان فلم يعرف له خبر وكان يظهر بالنهار فيقعد على الجبل الذي أوى إليه متبرقعًا فيراه الرائي فيأتيه فيذكره ويحرضه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويذكر السلطان ويعيبه فاستجاب له خلق من حراثي تلك الناحية وأهل القرى وكان يزعم أنه أموي فقال الذين استجابوا له‏:‏ هذا هو السفياني فلما كثرت غاشيته وأتباعه دعا أهل البيوتات من أهل تلك الناحية فاستجاب له جماعة منهم حتى صاروا في زهاء مائة ألف فوجه إليه المعتصم جندًا عليهم رجاء بن أيوب فطاوله رجاء حتى إذا جاء أوان عمارة الأرض انصرف الحراثون وبقي في نحو من ألف أو ألفين فناجزه الحرب وأسره وجاء به إلى المعتصم ‏.‏

وقيل كان خروج هذا في سنة ست وعشرين ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب أبو بكر أخبرنا الأزهري حدثنا علي بن عمر الحافظ أخبرنا عبد الله بن إسحاق البغوي أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ سنة سبع وعشرين ومائتين فيها وثب قوم يوم الجمعة لثلاث بقين من جمادى الآخرة في مسجد الرصافة على رجلين من الجهمية فضربوهما وأذلوهما ثم مضوا إلى مسجد شعيب بن سهل القاضي يريدون محو الكتاب كان كتبه على مسجده يذكر فيه أن القرآن مخلوق فأشرف عليهم خادم شعيب وهو أول قاض حرق بابه ونهب منزله فيما بلغنا وكان يقول‏:‏ جهم بن صفوان مبغضًا لأهل السنة متحاملًا عليهم منتقصًا لهم ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ توفي المعتصم وبويع الواثق ‏.‏

 باب ذكر خلافة الواثق

اسمه هارون بن المعتصم ويكنى أبا جعفر ولد بطريق مكة سنة تسعين ومائة وأمه أم ولد رومية تسمى قراطيس وكان أبيض يعلوه صفرة وقيل‏:‏ كان مشربًا بحمرة جميلًا ربعة حسن الجسم قاتم العين فيها نكتة بياض ‏.‏

بويع الواثق بسامراء يوم توفي المعتصم وذلك يوم الأربعاء لثمان ليال خلون من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن علي حدثنا أحمد بن علي المقرئ أخبرنا علي بن أبي قيس قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال‏:‏ بويع هارون بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبوه المعتصم بسامراء وهو يومئذ ابن تسع وعشرين سنة وورد رسوله بغداد يوم الجمعة على إسحاق بن إبراهيم فلم يظهر ذلك ودعا للمعتصم على منبري بغداد وهو ميت فلما كان من الغد يوم السبت أمر إسحاق بن إبراهيم الهاشمي والقواد والناس بحضور دار أمير المؤمنين فحضروا فقرأ كتابه على الناس بنعي أبيه وأخذ البيعة فبايع الناس ‏.‏

 ذكر طرف من أخباره وسيرته

أنبأنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني الحسن بن أبي طالب حدثني أحمد بن محمد بن عروة حدثنا محمد بن يحيى قال‏:‏ حدثني علي بن محمد قال‏:‏ سمعت خالي أحمد بن حمدون يقول‏:‏ دخل هارون بن زياد - مؤدب الواثق - على الواثق فأكرمه وأظهر من بره ما شهر به فقيل له‏:‏ من هذا يا أمير المؤمنين الذي فعلت به ما فعلت قال‏:‏ هذا أول من فتق لساني بذكر الله وأدناني من رحمة الله عز وجل ‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو منصور بن أبي جعفر الجيلي أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران قال‏:‏ أخبرنا محمد بن يحيى قال‏:‏ سمعت الحسين بن فهم يقول‏:‏ سمعت يحيى بن أكثم يقول‏:‏ ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب من خلفاء بني العباس ما أحسن إليهم الواثق ما مات وفيهم فقير ‏.‏

قال محمد بن يحيى‏:‏ وحدثني عنه عبد الله بن المعتز حدثنا عبد الله بن هارون النحوي عن محمد بن عطية قال‏:‏ قال محمد بن المهتدي‏:‏ كنت أمشي مع الواثق في صحن داره فقال لي‏:‏ يا تنح عن القبيح ولا ترده ومن أوليته حسنًا فزده ستكفى من عدوك كل كيد إذا كاد العدو ولم تكده ثم قال‏:‏ اكتب‏:‏ هي المقادير تجري في أعنتها فاصبر فليس لها صبر على حال ثم فكر طويلًا فلم يأته شيء آخر فقال‏:‏ حسبك ‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني علي بن أيوب القمي أخبرنا أبو عبد الله المرزباني أخبرني محمد بن يحيى حدثنا علي بن محمد بن نصر بن سام حدثني خالي أحمد بن حمدون قال‏:‏ كان بين الواثق وبين بعض جواريه شيء فخرج كسلان فلم أزل أنا والفتح بن خاقان نحتال لنشاطه فرآني أضاحك الفتح بن خاقان فقال‏:‏ قاتل الله العباس بن الأحنف حيث يقول‏:‏ عدل من الله أبكاني وأضحككم فالحمد لله عدل كل ما صنعا اليوم أبكي على قلبي وأندبه قلب ألح عليه الحب فانصدعا للحب في كل عضو لي على حدة نوع تفرق عنه الصبر واجتمعا فقال الفتح‏:‏ أنت والله يا أمير المؤمنين في وضع التمثل موضعه أشعر منه وأعلم وأظرف ‏.‏

قال المصنف‏:‏ كان الواثق قد أعاد الامتحان في القرآن وحمله ابن أبي دواد على التشدد في ذلك وقد قيل إن الواثق تاب من القول بخلق القرآن قبل موته والله أعلم ‏.‏

أخبرنا أبو منصور أخبرنا أبو بكر أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح أخبرني أحمد بن إبراهيم بن الحسن حدثنا إبراهيم بن الحسن بن محمد بن عرفة حدثني حامد بن العباس عن رجل عن المهتدي أن الواثق مات وقد تاب من القول بخلق القرآن ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة جعفر بن المعتصم ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان أبو نصر المعروف بالحافي مروزي ولد بمرو وسكن بغداد وفاق أهل عصره في الورع والزهد وحسن الطريقة وسمع إبراهيم بن سعد ومالك وحماد بن زيد وابن المبارك وخلقًا كثيرًا وشغله التعبد عن الرواية فلم ينتصب لها ‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا عبد العزيز بن علي قال‏:‏ حدثنا علي بن عبد الله الهمداني حدثنا القاسم بن الحسن بن جرير حدثنا محمد بن أبي عتاب عن محمد بن المثنى قال‏:‏ قلت لأحمد بن حنبل‏:‏ ما تقول في هذا الرجل فقال‏:‏ أي الرجال فقلت‏:‏ بشر قال‏:‏ سألتني عن رابع سبعة من الأبدال ما مثله عندي إلا مثل رجل كرز رمحًا في الأرض ثم قعد منه على السنان فهل ترك لأحد موضعًا يقعد فيه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا الأزهري قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله بن إبراهيم القزاز قال‏:‏ حدثنا جعفر الخالدي حدثني أبو حامد بن خالد الحذاء قال‏:‏ سمعت إبراهيم الحربي يقول‏:‏ ما أخرجت بغداد أتم عقلًا ولا أحفظ للسانه من بشر بن الحارث كان في كل شعرة منه عقل وطئ الناس عقبه خمسين سنة ما عرف له غيبة لمسلم لو قسم عقله على أهل بغداد صاروا عقلاء وما نقص من عقله شيء ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيب أحمد قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المقرئ أخبرنا أحمد بن جعفر بن محمد بن مسلم الختلي حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق حدثنا أبو بكر المروزي قال‏:‏ سمعت أبا عمران الوركاني يقول‏:‏ تخرق إزار بشر فقالت له أخته‏:‏ يا أخي قد تخرق إزارك وهذا البرد فلو جئت بقطن حتى أغزل لك قال‏:‏ فكان يجيء بالأستارين والثلاثة فقالت له‏:‏ إن الغزل قد اجتمع أفلا تسلم إزارك إن أردت الساعة فقال لها‏:‏ هاتيه فأخرجته إليه فوزنه وأخرج ألواحه وجعل يحسب الأساتير فلما رآها قد زادت فيه قال‏:‏ كما أفسدتيه فخذيه ‏.‏

قال المروزي‏:‏ وسمعت بعض القطانين يقول‏:‏ أهدى إلي أستاذ لي رطبًا وكان بشر يقيل في دكاننا في الصيف فقال له أستاذي‏:‏ يا أبا نصر هذا من وجه طيب فإن رأيت أن تأكله قال‏:‏ فجعل يمسه بيده ثم ضرب بيده إلى لحيته وقال‏:‏ ينبغي أن أستحي من الله إني عند الناس تارك لهذا وآكله في السر‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني عبد الله بن يحيى السكري أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصواف حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبو حفص عمر ابن أخت بشر الحافي قال‏:‏ حدثتني أمي قالت‏:‏ جاء رجل إلى الباب فدقه فأجابه بشر‏:‏ من هذا قال‏:‏ أريد بشرًا فخرج إليه فقال له‏:‏ حاجتك ‏.‏

قال‏:‏ عافاك الله أنت بشر قال‏:‏ نعم حاجتك قال‏:‏ إني رأيت رب العزة تعالى في المنام وهو يقول‏:‏ اذهب إلى بشر فقل له‏:‏ يا بشر لو سجدت على الجمر ما أديت شكري فيما قد بثثت لك - أو نشرت لك - في الناس ‏.‏

فقال له‏:‏ أنت رأيت ذلك قال‏:‏ نعم رأيته مرتين ليلتين متواليتين فقال‏:‏ لا تخبر به أحدًا ثم دخل وولى وجهه إلى القبلة وجعل يبكي ويضطرب وجعل يقول‏:‏ اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا ونوهت باسمي ورفعتني فوق قدري على أن تفضحني في القيامة فعجل الآن عقوبتي خذ مني بمقدار ما يقوى عليه بدني‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد جمعت كتابًا فيه فضائل بشر الحافي وأخباره فلهذا اقتصرت على ما ذكرت ها هنا كراهية للإعادة والتطويل ‏.‏

توفي بشر في هذه السنة عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول من سنة سبع وعشرين قبل موت المعتصم بستة أيام وقد بلغ من السن خمسًا وستين سنة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي أخبرنا محمد بن يوسف بن يعقوب حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد النحوي قال‏:‏ سمعت الحسين بن أحمد بن صدقة يقول‏:‏ سمعت أحمد بن زهير يقول‏:‏ سمعت يحيى بن عبد الحميد الحماني يقول‏:‏ رأيت أبا نصر التمار وعلي بن المديني في جنازة بشر بن الحارث يصيحان في الجنازة‏:‏ هذا شرف والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة وذلك أن بشر بن الحارث وقد أخرجت جنازته بعد صلاة الصبح ولم يجعل في قبره إلا في الليل وكان نهارًا صائفًا ولم يستقر في القبر إلى العتمة توفيل ملك الروم ‏.‏

ملك اثنتي عشرة سنة وهلك في هذه السنة وملكت بعده امرأة اسمها بدور وابنها ميخائيل بن توفيل صبي ‏.‏

عريب ولدت في سنة إحدى وثلاثين ومائة وكانت أمها تسمى فاطمة وكانت يتيمة فتزوجها جعفر بن يحيى بن خالد فأنكر عليه أبوه وقال له‏:‏ أتتزوج من لا يعرف له أب ولا أم اشتر مكانها ألف جارية فأخرجها وأسكنها دارًا في ناحية الأنبار سرًا من أبيه ووكل بها من يحفظها وكان يتردد إليها فولدت عريب وماتت أم عريب في حياة جعفر فدفعها إلى امرأة نصرانية وجعلها داية لها فلما حدثت بالبرامكة تلك الحادثة باعتها من سنبس النخاس فباعها فاشتراها الأمين وافتضها ولم يوف الثمن حتى قتل فرجعت إلى سيدها ثم اشترها المأمون فمات الذي اشتريت منه عشقًا لها ثم بيعت في ميراث المأمون فاشتراها المعتصم بمائة ألف وأعتقها فهي مولاته وكانوا إذا نظروا إلى قدمي عريب شبهوها بقدم جعفر بن يحيى وكانت عريب شاعرة ومليحة الخط وغاية في الجمال والظرف ثم كانت مغنية محسنة صنعت ألف صوت وكانت شديدة الفطنة والذكاء كتبت إلى بعض الناس‏:‏ أردت ولولا ولعل ‏.‏

فكتب تحت أردت‏:‏ ليت وتحت لولا‏:‏ ماذا وتحت لعل‏:‏ أرجو فقامت ومضت إليه قراطيس أم الواثق ‏.‏

خرجت إلى الحج فماتت بالحيرة لأربع خلون من ذي القعدة ودفنت بالكوفة في دار داود بن عيسى ‏.‏

محمد بن حيان أبو الأحوص البغوي حدث عن إسماعيل بن علية وهشيم وغيرهما وروى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل وغيره وآخر من روى عنه عبد الله بن محمد البغوي وكان ثقة ‏.‏

توفي في هذه السنة في ذي الحجة ‏.‏

محمد بن الصباح أبو جعفر البزاز ويعرف بالدولابي سمع إبراهيم بن سعد وهشيم بن بشير وغيرهما روى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل ووثقه ولم يختلفوا في ذلك ‏.‏

وتوفي يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من شهر الله المحرم من هذه السنة وقد جاوز السبعين ‏.‏

محمد المعتصم بن الرشيد كان بدو مرضه أنه احتجم أول يوم من المحرم من هذه السنة واعتل

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي أخبرنا الأزهري أخبرنا محمد بن العباس الخزاز أخبرنا علان بن أحمد الرزاز حدثنا علي بن أحمد بن العباس حدثنا أبو الحسن الطويل قال‏:‏ سمعت عيسى بن أبان بن صدقة عن علي بن يحيى المنجم قال‏:‏ لما استتم المعتصم عدة غلمانه الأتراك بضعة عشر ألفًا وعلق له خمسون ألف مخلاة على فرس وبرذون وبغل وذلل العدو بكل النواحي أتته المنية على غفلة فقيل لي إنه قال في حماه التي مات فيها‏:‏ ‏{‏حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون‏}‏ ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا عبد المحسن بن محمد بن علي أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني أخبرنا المعافى بن زكريا حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال‏:‏ سمعت القاسم بن زرزور يقول‏:‏ حدثني زنام الزامر قال‏:‏ لما اعتل المعتصم علته التي مات فيها وجد يومًا إفاقة فقال‏:‏ هيئوا لي الزلال حتى أركب فهيئ له فركب وأنا معه فمر بدجلة بإزاء منازله فقال‏:‏ يا زنام ‏.‏

قلت‏:‏ لبيك يا أمير المؤمنين قال‏:‏ ازمر‏:‏ يا منزلًا لم تبل أطلاله حاشى لأطلالك أن تبلى والعيش أولى ما بكاه الفتى لا بد للمحزون أن يسلى لم أبك أطلالك لكنني بكيت عيشي فيك إذ ولى قال‏:‏ فزمرته وما زلت أردده وهو ينتحب ويبكي إلى أن خرج من الزلال ثم توفي بعد خمسة أيام ‏.‏

قال علماء السير‏:‏ لما احتضر جعل يقول‏:‏ ذهبت الحيل ولا حيلة ولو علمت أن عمري قصير هكذا ما فعلت ‏.‏

توفي يوم الخميس لثمان عشرة ليلة مضت من ربيع الأول لساعتين مضتا من النهار وقيل‏:‏ لأربع ودفن بسامراء فكانت خلافته ثمان سنين وثمانية أشهر وقيل‏:‏ ويومين وكان عمره ستًا وأربعين سنة وسبعة أشهر وثمانية عشر يومًا ‏.‏

وقيل‏:‏ سبعًا وأربعين وشهرين وثمانية عشر يومًا ‏.‏